سحر التناقض في دمية "لا بوبو" (La bubu) وأسرار التعلّق العاطفي المعاصر

سحر التناقض في دمية "لا بوبو" (La bubu) وأسرار التعلّق العاطفي المعاصر

سحر التناقض في دمية "لا بوبو" (La bubu) وأسرار التعلّق العاطفي المعاصر

في زمنٍ يتأرجح بين السطحية والبحث عن الانتماء، ظهرت "لا بوبو" تلك الدمية الغريبة والمحبوبة كأكثر من مجرد لعبة أطفال، "لا بوبو" ذو الوجه المشاكس، والأسنان البارزة وابتسامتها الماكرة، أصبحت رمزًا لحقائق نفسية واجتماعية أعمق مما نظن. 
"لا بوبو" تحولت إلى مرآة تعكس من خلالها مخاوف الذات البشرية، والوحدة النفسية، وحتى الفراغ الوجودي.
في هذا المقال... نغوص في عالم "لا بوبو"، لا كدمية، بل كظاهرة إنسانية معقّدة تستحق التأمل.

"لا بوبو" هل هي مجرد دمية أم تخطت ذاك الوصف؟
" لا بوبو" ليست مجرد دمية ذو ملامح غريبة، بل تعدت صفات كثيرة جعلتني أقف قليلا وأكتب عن ظاهرة انتشارها بشكل جنوني وأسباب تعلق الناس بها، بعدما صار الطلب عليها بشكل ملفت للفضول، والحصول على الدمية إنجاز يدعو للفخر والتباهي من طرف الكبار قبل الصغار!
من لا يعرف "لا بوبو" مع أني أشك في ذلك، هي شخصية خيالية قام على تصميمها منذ سنوات مضت فنان من هونغ كونغ معروف بتصميم شخصيات غريبة ومرعبة ولكن محببة.
"لا بوبو" واحدة من أشهر شخصياته، وتُعرف بمظهرها الغريب، حيث تجمع بين البراءة والوحشية الطفولية… هي دمية تأتي بتصاميم مختلفة بأحجام وألوان متعددة، مصنوعة غالبًا من مادة السيليكون والقماش تحمل ملامح تجمع بين البراءة والرعب، بأسنان بارزة وأذنين طويلتين، فأخذت بذلك مظهر الوحش اللطيف. 

ضجة كبيرة حول دمية "لا بوبو"(La bubu)
دمية "لا بوبو" أصبحت ظاهرة عالمية في وقت قياسي! لدرجة أن الناس يصطفون منذ الفجر أمام المتاجر للحصول على نسخ منها، تُباع بأسعار متفاوتة، وبعض الإصدارات النادرة بيعت بأسعار مرتفعة جدًا بين هواة التجميع، حيث تم بيعها في مزادات وصل سعر الواحدة منها إلى 2000 دولار.
بدأت شهرتها بالتصاعد بعد تعاون الفنان مع إحدى الشركات الصينية عام 2019، حيث طُرحت ضمن صناديق مغلقة لا يعرف المشتري محتواها، مما أضاف عنصر المفاجأة والتشويق، فاعتبرت تلك الدمية من القطع الفنية القابلة للتجميع من قبل الذين يملكون هوس أو هواية التملك و الحصول عليها.
لكن الانفجار الحقيقي لشهرة تلك الدمية جاء في عام 2024، عندما ظهرت مع نجمات عالميات يحملونها مع أشيائهم الخاصة، فتحولت من مجرد لعبة إلى رمز للموضة والتميز...
كان لدى الدمية شعبية كبيرة في آسيا، خاصة في الصين واليابان وتايوان، ثم انتشرت لاحقًا عالميًا، بل زادت شهرتها بالأخص في بلاد الشرق الأوسط والوطن العربي خلال العام الجاري.

ما الذي ميّز دمية لا بوبو عن غيرها من الدمى؟
تعلّق الناس بدمية "لا بوبو" ليس موضة عابرة أو ركوب التريند فحسب! بل هي أبعد من ذلك بكثير، حيث أرى أنها ظاهرة نفسية واجتماعية معقّدة، تجمع بين الغرابة، والرمزية، والانتماء. 
إليك أبرز الأسباب:
التناقض البصري الجاذب: مظهر "لا بوبو" يجمع بين البراءة والرعب (أسنان بارزة، عيون بريئة، وابتسامة ماكرة) هذا التناقض يثير فضول الأطفال والمراهقين، ويمنحهم شعورًا بالتحكم في مخاوفهم من خلال شيء "مخيف لكن مألوف".
الإتقان الرمزي: علماء النفس يصفونها بأنها تجسيد بصري للفوضى الداخلية التي يعيشها الأطفال في سن ما قبل المراهقة، بين الرغبة في الاستقلال والحنين للطفولة، وبين الحاجة للانتماء والسعي للتميّز.
عنصر المفاجأة: تُباع في صناديق مغلقة، مما يخلق حالة من الترقب والإثارة تشبه تأثير ألعاب الحظ، وتُحفّز مراكز المكافأة في الدماغ، خاصة لدى الأطفال.
رمز اجتماعي: امتلاك "لا بوبو" أصبح وسيلة للتعبير عن الانتماء والتميّز بين الأقران، خصوصًا بعد أن تبنّاها مشاهير عالميون مثل ريهانا وليسا وغيرهن.
تفريغ المشاعر: يرى بعض الخبراء أن التعلّق بها قد يكون وسيلة غير مباشرة للتعامل مع القلق أو التوتر، أو حتى محاولة للسيطرة على الخوف من خلال امتلاك شيء مخيف.

الفراغ العاطفي قاد الناس إلى التعلّق بدمية "لا بوبو" 
الغريب أن مظهرها القبيح الظاهري هو بالضبط ما يجعلها محبوبة، وكأنها تقول: "أنا مختلفة، تمامًا مثلك".
الفراغ العاطفي أو الوجودي يمكن أن يكون سببًا قويًا لتعلق الناس بدمى مثل "لا بوبو"، وسأوضح لك الأسباب بشكل أعمق:
الفراغ كحاجة داخلية للارتباط
عندما يشعر الإنسان بالوحدة أو الملل أو نقص في الروابط العاطفية، فإنه يبحث عن شيء يمنحه شعورًا بالانتماء أو الرفقة، دمى مثل "لا بوبو" بملامحها الغريبة والبريئة تصبح وسيلة رمزية للتعبير عن مشاعر داخلية يصعب قولها أو فهمها.
الإسقاط العاطفي
الناس أحيانًا يُسقطون مشاعرهم على الأشياء، وهذا شائع في الطفولة مع الدمى، لكنه قد لا يختفي في الكبر، قد يرى الشخص في "لا بوبو" جانبًا منه: غريب، حساس، مختلف، ويشعر أنها تفهمه أو تشبهه، فيتعلق بها وكأنها رفيق.
الجمال الغريب الذي يملأ فراغ المعنى
الفراغ لا يكون دائمًا عاطفيًا، بل أحيانًا وجوديًا، "لا بوبو" ليست جميلة بالمعايير التقليدية، لكنها ملفتة وفريدة وغريبة. هذا النوع من الجمال يجذب الأشخاص الذين يشعرون أن العالم من حولهم سطحي أو فارغ، ويبحثون عن رموز تعكس اختلافهم الداخلي.
ثقافة الهروب والتجميع
في عصر ممتلئ بالتوتر، الناس تشتري وتجمع الأشياء هربًا من الواقع، تجميع دمى "لا بوبو" يمنح الشخص شعورًا بالهدف أو الإنجاز، وهو نوع من الهروب الإبداعي من فراغ الحياة اليومية.
الفراغ – سواء عاطفيًا أو وجوديًا – يمكن أن يكون دافعًا كبيرًا للتعلق بشيء مثل "لا بوبو"، فتحولت من تصنيفها كدمية إلى رمز لمعنى شخصي، وملجأ داخلي، ومرآة للذات.
وأنت هل ترى نفسك فيها؟ أم تراها مجرد ظاهرة غريبة؟


 للاستماع إلى المقال اضغط هنا

لقراءة باقي المقالات اضغط هنا

الإصدارات الأدبية للمؤلفة نور شحط

للمتابعة على قناة اليوتيوب  

تعليقات