تجميد المشكلة في الثلاجة أم مواجهة الفيل؟


تجميد المشكلة في الثلاجة أم مواجهة الفيل؟

تجميد المشكلة في الثلاجة أم مواجهة الفيل؟



كيف تضع فيلًا في الثلاجة بثلاثة حركات فقط؟

السؤال في نظر البعض لغز ممزوج بنكهة الدعابة

وفي نظر الباقي هو سؤال يحمل من السخرية ما يكفي للوقوف أمام تفكير ناضج…

بينما في الحقيقة الأمر أكبر من كليهما، إنه واقع نعمل به كل يوم ونحن بكامل قوانا العقلية

كي نحافظ على ما نملكه من الصحة النفسية. 


كلمة الفيل كناية عن حجم المشكلة

أولًا كان عليّ البحث والتساؤل مع نفسي لمَ كان فيل بالضبط في تلك الأحجية؟

ولم يكن حيوان ضخم آخر! كان بالإمكان أن يكون جمل مثلًا!

بما أنه حيوان صحراوي يعيش في بيئة حارة وجافة، وهو بحاجة أن يكون في الثلاجة أكثر من الفيل! 


وجدت أخيرًا أن سر اختيار حيوان الفيل بالذات في هذا اللغز،

لربما يكون له صلة مع عبارة تقول (فيل في الغرفة) التي تتناقل بشدة في ثقافة الغرب،

وهو مصطلح مجازي يصف موضوع حساس، شديد الوضوح وهام أو مثير للجدل في نفس الوقت،

والأهم من ذلك كله أن الجميع يراه بشكل واضح كوضوح الشمس في العراء،

أو كرؤية فيل كبير في الغرفة لا يمكن نكران وجوده، ومع ذلك لا أحد يريد ذكره أو التكلم فيه

كونه يجعل البعض غير مرتاح!


أو قد يسبب الإحراج لأحدهم في حال تم المناقشة حوله، لما يحمل لهذا الموضوع من حساسية أو إثارة المشاكل.

على كل الأحوال كلمة (فيل) وحدها كناية عن أمر كبير يصل إلى ضخامة الفيل،

والذي بمقدوره أن يجعل التواصل بين الأشخاص الموجودين في ذات المكان سيئ جدًا.


تجميد المشكلة والرجوع إليها حين الرغبة

(فيل في الغرفة) عبارة تدل على أن هناك حقيقة موجودة يتم تجاهلها،

وهذا من شأنه أن يبني حاجز من الإسمنت المسلح بين الأشخاص سواء كانوا في مجتمع أو فئة محددة منه…

وقد لا نجد هذا المصطلح حرفيًا في المجتمع الشرقي بيد أن فحواه موجود!

والمفاجئ في الموضوع أن الجميع هنا يرى المشكلة لكن في غالب الأحيان لا يعترف أحد على وجودها،

وعدم التحدث بها أو مواجهتها بأي نقاش، بل يصل إلى حد التجاهل والنكران،

بالرغم من أن تلك المشكلة تعترض حياة كل واحد من هذا المجتمع بشكل يومي وتصطدم به مع كل حركة يقوم بها!


هذا التجاهل والتغافل لا مبرر له سوى أمر واحد، فقد يكون تحريك الفيل أو التعامل معه مشكلة قائمة بحد ذاتها! 

أي المشكلة ذاتها تكمن في مواجهة المشكلة، حيث تزيد الطين بلة

إن تم تداول الموضوع بكل ما يحمله من تفاصيل بشكل دقيق وصريح،

فالفيل في العادة لا يوجد في الغرف! وإن كان داخلها فهو محبوس لا يملك المساحة الكافية لحرية الحركة،

فيأتي الكثيرون ليقولوا: "مادام الفيل متواجد داخل الغرفة فهو تحت السيطرة

ولا داعي من إطلاقه خارجها! نحن لا نعلم ماذا يحصل إن كان حرًا طليق!"


أما في مجتمعنا الشرقي فنحن نقوم على وضع هذا الفيل في الثلاجة وليس في الغرفة،

كوننا نعرف كيف نتخلص من المشكلة بصورة مؤقتة،

أي بتجميدها في الثلاجة لنعود إليها متى أردنا بعد إخراجها من الثلاجة،

هي أشبه بعملية ركن إلى الجانب بطريقة مخطط لها باحترافية فائقة تفوق كل التوقعات.

فالأمر لا يتطلب سوى ثلاثة حركات فقط لا غير:

1- فتح باب الثلاجة.

2- وضع الفيل -المشكلة- داخل الثلاجة.

3- إغلاق باب الثلاجة.

أما حين نرغب بالتطرق إلى المشكلة فعلينا إخراجها من الثلاجة بكل بساطة… وهكذا دواليك.


مواجهة الفيل وحل المشكلة

هناك أمور لا ينفع معها التفكير والقلق من أجل حلها، وكما يقول أحدهم:

"إذا كان للمشكلة حل فلا داعي للقلق، أما إذا لم يكن لها حل فلا فائدة من القلق بشأنها."

يبقى السؤال الذي يطرح نفسه دائمًا، كيف يمكننا مواجهة الفيل؟

هذا إن أردنا أو استطعنا مواجهته، حيثما الإرادة أمر والاستطاعة أمر آخر… 

فمثلًا شتّان ما بين شخص لا يستطيع التحدث لأنه أبكم، وشخص آخر لا يريد التحدث لسبب ما،

والمدهش في الموضوع أن النتيجة واحدة، ألا وهي الصمت!


وغالبًا يأتي الصمت عندما يكون الجدال عقيمًا لا يسفر على أي نتيجة،

فيحسب الآخرون أنهم على صواب.

الكثير والكثير من الحالات والمواقف تجعلنا نقف صامتين،

لا نعرف كيف نتعامل مع الأمر، أو قد نعرف ولا نستطيع أن نحرك ساكن

لأسباب نراها أكبر من الموقف ذاته وأعظم،

فربما تكون النتائج أسوأ من المشكلة التي دار عليها الجدال أثناء المواجهة، فنكتفي بالمراقبة فقط.

وما أكثر مواقف المراقبة في الحياة! ليس ضعفًا صدقني،

إنما مكر ودهاء للوصول إلى غاية ما عن طريق استغلال الفرص

واستخدام نقاط الضعف في الزمان المناسب والمكان المناسب.


بينما بعض الأشخاص تعتقد أن الهروب من مواجهة الحقائق والاعتراف بها هو الحل الأفضل،

كون التحدث بها مهمة صعبة جدًا وأكبر من استطاعتهم من تحملها بأي شكل من الأشكال،

أو بقناعة أخرى أنه في حال قام الشخص بالمواجهة والتحدث بتلك المشكلة

قد تسبب مشاكل أخرى تعود له بضرر أضخم من المشكلة الأساسية! 



للاستماع إلى المقال اضغط هنا

لقراءة باقي المقالات اضغط هنا

تعليقات