الهزلية مقابل الأدب والفن الهابط يكسب النزال | تصنيف العقول بحسب علماء النفس في الحلقة (19) من كتاب لمبة واحدة لا تكفي


الحلقة التاسعة عشر من سلسلة اسمع صوت كتاب لمبة واحدة لا تكفي
أتابع معكم قراءة قسم صراع العقول
في هذه الحلقة:

هناك تصنيف للعقول قام به بعض علماء النفس المتخصصين من خلال بحث اجتماعي
أفاض إلى تصنيف ظريف للعقول البشرية قسمها إلى ثلاثة أحجام مختلفة (حجم كبير، حجم عادي وحجم صغير)

صاحب العقل الصغير إنسان همه وشغله الشاغل أمور الناس وأحوالهم،
ومن كسله وقلة همته يراقب ما يملكه الغير ويتمنى أن يكون ملكا له،
ويقضي أغلب جهده وطاقته في تتبع أخبار الآخرين ومعرفة أحوالهم..

اهتمامات تافهة تضيع معها قدرات وطاقات العقل في أشياء لا تفيد،
وتصرف طاقة التفكير في أمور لا معنى لها سوى الفضول واللهث وراء تفاصيل غير مهمة في الحياة.

للأسف الشديد شريحة كبيرة من أفراد المجتمع لا شيء يعملون به سوى المراقبة والنميمة والغيبة،
نظرًا لكمية الفراغ التي تحتل عقولهم إذ لا شيء يشغل بالهم من المواضيع الهادفة،
يلجؤون إلى تلك الأمور ليصنعوا مواضيع يفكرون بها...

تلك الفئة من العقول تكون سلبية للعقول المحيطة حولها والأفضل الابتعاد عنها نهائيا
فهي خطيرة تضر ولا تنفع
بل ربما تنشر العدوى بين العقول المنتجة والصالحة إذ لا يوجد حديث مفيد أو موضوع جديد
غني بالمعلومات قد يضاف عليها.

أصحاب العقول العادية تتصف بالإنسان السطحي، الغير طموح،
بالرغم من العقل النمطي الذي يملكه لاكتساب المعرفة والتعلم،
لا شيء جديد في حياته ولا أي تقدم سوى أنه يعمل من أجل العيش كما حال الأغلبية العظمى
حيث لا يتطلع إلى مستقبل ولا تهفو نفسه إلى تميز أو نجاح...

يأتي ويذهب على هذه الدنيا دون أن يترك أي أثر،
هو ذو عقل بسيط يعتمد على توارث الأفكار والعمل بها دون تفكير شخصي مسبق أو أي جهد في الابتكار،
مع العلم أن بعضها يمتلك قدرة استيعابية جيدة للتعلم وذاكرة قوية لكن لا يستغل ما لديه من مواهب…

تلك العقول يليق بها اسم العقول المبرمجة فهي تعمل حسب ما تتلقاه من معلومات وأفكار ممن حولها،
ومثل تلك العقول يسبب مع مرور الوقت سبات فكري قد يصل إلى مرحلة الجمود.

صاحب العقل الكبير هو إنسان يستثمر نقاط قوته ومهاراته،
يغذي عقله دوماً بالمعلومات الجديدة من خلال القراءة والبحث،
في تقدم مستمر وإنجازات متعددة، متمسك بأصحاب العقول المفيدة والمستجدة
يسعى على تطوير نفسه، يضع له أهداف ويخطط لها كي يقوم في تنفيذها،
طموح جدًا لا يعرف اليأس أو الكسل مهما اشتدت عليه الظروف...

يبتكر حلول للمشاكل المعقدة ويعرف كيف يتصرف في الزمان المناسب والوقت المناسب،
أفعاله تتكلم عنه بينما هو صامت، قليل الكلام لا يتحدث إلا عند الضرورة
ولا يأكل إلا عندما يجوع وإذا أكل يأكل باعتدال دون المبالغة في الكمية كي يترك حيز مريح للتفكير...

هذه الفئة من العقول موجودة بيننا على كوكب الأرض ليست غريبة أبدا لكن نحن لا نعيرها الاهتمام والملاحظة….
مثل هذه العقول علينا المحافظة عليها وتشجيعها على مواصلة الابتكار والإبداع ،
فتلك العقول عقول نادرة بناءة محركة تعتمد على القوى الفكرية لصناعة الحضارات.

هجرة العقول المنتجة إلى البلاد الأجنبية، فكل يوم نسمع عن تفوق أكاديمي،
وإنجازات علمية ومهنية تحدث في أصقاع الأرض بعيدًا عن موطنها الأصلي،
أصحابها من أصل عربي، الغريب في الأمر أن تلك الأشخاص نفسها لم نسمع عنها في بلدها الأم
ولم نرى ما يثلج الصدر في تلك المجالات!

العالم المحيط بنا وصل إلى كوكب المريخ ودول الشرق الأوسط ما تزال غارقة بالحروب ومكافحة الإرهاب
والفساد والجوع والفقر والجهل، أو مشغولة في سباق التضخم الاقتصادي وتلوث البيئة وترميم البنى التحتية
وما يجري تحت الطاولة وأزياء المهرجانات السينمائية وما وراء الطبيعة من عالم سفلي
وتحديات التيكْ توك وتهكر الفيس البوك….

كل ذلك بسبب العقول المغلقة وطريقة التفكير لمعظم الأفراد عندما داهمت التكنولوجيا حياتنا،
ونحن كمجتمع شرقي لم نكن مستعدين لا ثقافيًا ولا اجتماعيًا لتلك النقلة النوعية.

قبل انتشار مواقع التواصل والمنصات الإلكترونية كان هنالك مجموعة من الأشخاص
تقوم على تشويش عقول باقي الأفراد،
وتأخذ منها مقدار كبير من الطاقة الفكرية وتملأ مكانه شيء من اللامبالاة أو عدم الاكتراث،
ويتم ذلك بصورة بسيطة جدًا عبر ما يقال عنه برامج الترفيه والترويح عن النفس.

كلما تعمق المرء في الابتذال والهبوط والانحطاط، ازدادت جماهيريته وشهرته،
للأسف نحن في مجتمع يرفع الوضيع وينزّل الرفيع.

ميل الناس إلى السذاجة والتهريج والسطحية ليس جديدًا فثمة انتقادات لهذا الميل العجيب المتدني منذ زمن سقراط،
بما سمي آنذاك بثقافة الانحطاط...

لم ينجح سقراط في إعادة الهيبة للعقل سوى بطرح الفلسفة على مستوى الشارع،
واستطاع بدهائه سحب البساط تدريجيا من تحت أقدام جماعات السفسطة المنتشرة حينها بكثرة…

المؤسف أن قصة نجاح سقراط لم تنته إلا بمأساة، فقد حكمت عليه السلطة بالإعدام بتهمة تضليل العقول،
ولم يستطع أفلاطون ولا أرسطو من بعده إنقاذ البلاد من هذا الانحطاط،
إلى أن جاء الإسكندر وحقق النصر بقوة السلاح.

انتهت الحلقة الثامنة عشر من كتاب لمبة واحدة لا تكفي.


   لمبة واحدة لا تكفي

كتاب تنمية نال مرتبة التميز في مسابقة مؤسسة هبة بنداري للتنمية لعام 2022

من أجل القراءة رابط التحميل المباشر

لسماع الكتاب على قناة اليوتيوب اضغط هنا 

الكتاب من مؤلفات الأديبة والكاتبة الروائية نور شحط

يمكنكم طلب الكتاب من موقع نيل وفرات لبيع الكتب اون لاين  

 الكتاب من إصدار دار واو للنشر والتوزيع في مصر.   

تعليقات