العملة السورية الجديدة ودلالات الرموز الطبيعية على النطاق الدولي



العملة السورية الجديدة ودلالات الرموز الطبيعية على النطاق الدولي
العملة السورية الجديدة ودلالات الرموز الطبيعية على النطاق الدولي 

لدى الإمام علي بن أبي طالب مقولة شهيرة "ليس الفتى من قال: كان أبي، إن الفتى من قال: ها أنا ذا"

هل هذا ما رمت إليه رموز العملة السورية الجديدة؟ 

العملة السورية الجديدة تخطت الماضي كي تبني المستقبل

تشكل العملة النقدية لكل دولة صور عديدة تجمع كل ما يخصها من تاريخ وثقافة وحضارة تنتمي إليها الدولة، فغالبًا قد نرى على الأوراق النقدية رسومات حملت معالم أثرية قديمة من قلاع أو مباني، بالإضافة إلى شخصيات تاريخية كان لها تأثيرًا عميقًا على البلاد خلال حقبة زمنية محددة.

هناك من الأمثلة الكثير من نماذج الأوراق النقدية المتداولة في العالم، والتي اتبعت هذا الطابع التقليدي من العملة المخصصة للبلد، ومنها العملة السورية القديمة والعملية الإنكليزية والعملة التركية….الخ

إلا أن التغيير المفاجئ في التصميم التقليدي للعملات، حصل عندما أطلقت سوريا العملة الجديدة الخاصة بها في نهاية عام 2025، لم يكن الأمر مجرد تبديل أوراق أو حذف أصفار، بل كان إعلانًا عن بداية مرحلة جديدة فعليًا لا تربطها بالماضي بأي أحداث سواء كانت أحداث جيدة أم سيئة.


العملة السورية الجديدة رسمت أبعاد متينة رغم بساطة الرمز

العملة السورية الجديدة ابتعدت عن صور الأشخاص والوجوه السياسية، كي تؤكد أن الهوية الوطنية تُبنى على الطبيعة والمفاهيم العملية، لا على تقديس الأفراد والاحتفاء بهم، إنها محاولة لإعادة صياغة العلاقة بين المواطن السوري والأوراق النقدية، بحيث تروي كل ورقة منها ملحمة بشرية تعاصر المستقبل، لا مجرد وسيلة للحصول على السلع والأشياء الجامدة.

الرموز البسيطة التي اعتمدتها أوراق العملة السورية الجديدة حملت أبعاد قوية بمقدورها شد الانتباه والأنظار عليها، وهذا ما حصل بالفعل:

  • 10 ليرات: الوردة الشامية والفراشة رمز الجمال والحرية

  • 25 ليرة: شجرة التوت وطائر السنونو، دلالة على الاستمرارية والعودة إلى الوطن.

  • 50 ليرة: شجرة الحمضيات والتي تدل على خصوبة الأرض وعطر الساحل السوري.

  • 100 ليرة وردة القطن وغزال الريم، دلالة نقاء القلوب والرشاقة في العمل والإنجاز.

  • 200 ليرة أشجار الزيتون والحصان العربي، أصالة الجذور وقوة الإرادة للوصول إلى الهدف.

  • 500 ليرة عصفور الدوري مع سنابل القمح، رمز الكرامة والخبز اليومي.

 كل فئة من أوراق العملة السورية الجديدة تحمل رمز حيوي متجدد، وكل رمز فتح نافذة تطل على تاريخ طويل من العطاء، وكأن كل فرد من الشعب السوري يضع في جيبه قصيدة مكتوبة بلغة الأرض، ونحن من دون الأرض لا نملك وطنًا.


العملة السورية الجديدة تحمل دلالات عميقة تحتاج مهارة في الغوص 

العملة السورية الجديدة حملت بين طياتها رسائل مبطنة ودلالات قوية، عنت من خلال مضمونها طرفين أساسيين لهما دور فعّال في بناء سوريا الحديثة.

الطرف الأول هو أبناء المجتمع السوري نفسه، وهم أفراد جميع الطبقات العاملة التي تعيش داخل سوريا، فقد جاءت الفئات الست كمرآة تعكس الهوية السورية عبر تمكين الرموز الطبيعية من أشجار مثمرة ترافقها صور حيوانات ذات معانٍ معروفة، حيث جمعت تلك الرموز ذاكرة الأرض مع أحلام شعبها المتعدد الطوائف في مساحة جغرافية موحدة، تبث لهم بأن المواطن السوري قادر على النهوض والبناء من جديد بما يملك من موارد طبيعية دون الاستعانة بما سلف من قبل الأجداد. 

بينما الطرف الثاني المعني من الرسالة وما حمله تصميم العملة السورية الجديدة، هو باقي دول العالم التي تنظر بعين الصقر على السياسة الجديدة التي سوف تتبعها سوريا مع الدول المحيطة منها، والبعيدة كذلك، فجاءت الرموز الطبيعية لتمسح الذاكرة السياسية، وكل ما خاضته سوريا من حروب خلال العصور القديمة، أو كي تؤكد أن ما عاشته سوريا من مراحل اجتماعية متعددة، والتي حملت معتقدات ومفاهيم قد تكون مختلفة عن الدول المتطورة، لن تؤثر على المرحلة الانتقالية في الوصول إلى السلام مع كافة دول العالم.  

سوريا الحديثة تسعى إلى بناء أساس داخلي متين وقوي، لا عقول متحجرة ولا حواجز طائفية، وتعمل على القيام بسلام دولي يعكس نتائج إيجابية تعود على سوريا بالازدهار والتطور. 


العملة السورية بداية جديدة لدولة أنهكتها الحروب

ومن الناحية الاقتصادية أوضح المسؤولون أن عملية حذف صفرين في العملة الجديدة له هدف مباشر وآخر غير مباشر، فالأول هو تسهيل التعاملات اليومية وإعلان لبداية زمن جديد لا تربطه أي صلات مع ذيول الحقبة السابقة من فساد وظلم، أما الثاني فهو محاولة لكتابة فصل جديد في كتاب الوطن، فصل يقطع المرحلة النقلية عن الماضي المثقل بالاضطهاد والخوف، وذلك كله من أجل بناء اقتصاد قوي عبر تعزيز الثقة النقدية المتداولة، وتقريب المسافات بين مختلف أبناء الوطن الواحد.

العملة السورية الجديدة ليست مجرد أوراق نقدية، بل هي حكاية إنسانية تروي قصة وطن حمل على كتفيه ثقل السنوات، وارتباك الذاكرة، يحاول النهوض من بين الركام، ويعيد صياغة ذاته عبر رموزه الثرية، إنها صفحات يومية يتداولها الناس في جميع الأماكن وفي مختلف الظروف، سُطر عليها: 

"هنا سوريا، هنا الأرض التي لا تموت."  

العملة السورية الجديدة لا تطلب التصفيق والاحتفالات، ولا تدّعي بأن تفعل المعجزات! هي واقعية إلى حدٍ قاسٍ، بحيث تشبه السوريين أنفسهم، متعبة، صبورة، وعنيدة بشكل يثير الإعجاب أحيانًا والقلق أحيانًا أخرى، وجودها يطرح أسئلة صريحة: هل تتغير قيمة العملة لأن الورق تغيّر؟ أم لأن الثقة تغيرت؟ هنا الإجابة تكون مطاطية بين ما يدور ضمن السياسات الخارجية من علاقات دولية، وبين ما يُبنى من عدالة داخلية، بالإضافة إلى مدى قدرة الناس في المحافظة على الجذر الوطني والوحدة القومية.

ومع ذلك لا يمكن إنكار البعد الرمزي لأي عملة جديدة تُطرح في البلد، فهي بمثابة إعلان نوايا خفية، حتى لو كانت تلك النوايا ملتبسة، هي رسالة تقول: إن البلاد ما تزال بخير، وقادرة على إعادة تعريف ذاتها، ولو بتصميم غريب أو لون مختلف، وربما هذا القدر من المحاولة يستحق التوقف عنده، لا للتهكم  أو السخرية بل للتأمل والتفكر خارج الصندوق.  


انظر حولك، واسأل نفسك بصدق: 

ما قيمة الأشياء حقًا؟ وهل نقيس الأوطان بما تحمله الجيوب، أم بما تحتمله القلوب؟


العملة السورية الجديدة ليست نهاية مرحلة مرتقبة ولا بدايتها، هي فاصلة في جملة طويلة لم تكتمل بعد، فاصلة تشرح فيما معناه أنها محطة قصيرة كُتب على لائحتها عبارة: "توقف قليلًا، ثم انطلق بقوة"  

في النهاية، قد تتآكل العملة أو تنمو، وقد ترتفع أو تهبط، ليبقى السؤال الأهم معلقًا في أذهان الجميع: 

هل تغيير العملة يغير الواقع؟ أم نغير الواقع فتتغير العملة؟

هنا فقط، تبدأ القصة الحقيقية.




  للاستماع إلى المقال اضغط هنا

لقراءة باقي المقالات اضغط هنا

للمتابعة على قناة اليوتيوب    


تعليقات